الأحد، 31 أغسطس 2025

هذا الجســد لــي ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

حملني أبي فوق ركبته ، وتطلع إلى وجهي ، وقال:

- «سوف نقطعُ الوسخَ الزائد من هذا . .».

وأمسك لحمة صغيرة بين الفخذين ، وظل يلاعبها ، وأنا أمصُ الحلوى مبتسماً ، وأكمل:

- «سوف تـــُقطعُ ، ولن تحس بألم ، وتصيرُ رجلاً . .».

لم أعهد هذا الحنوَ منه ، وهذه الحلوى والدينار الموعود ، والرحلة إلى السينما ، وكنتُ أتحسسُ الوسخَ الزائد مستغرباً من اتصاله الحميم بذاتي ، ارتعشتْ يدي فجأة و . . هربتُ !

في ذلك الدغل الوحشي من أرضٍ مهجورة ، شممتُ رائحةَ الأرض . ذكرتني بدواخل جسدي ، بعرقي ، وانحبست خائفاً بين حشائشها وجذوعها ، وسمعتُ أصواتاً تصرخُ باسمي . احتميتُ وراء جذعِ نخلة . لكن يداً مرعبة رفعتني إلى السماء ، وأطلت بوجهي .

رمقتْ أختي ثوبي الأبيض الشفاف ، ضحكت . أمسكني الرجلان وأنا أصرخ وأبكي ، وفتحا ساقي ، وتكهربت أعضائي وتخشبتُ ، وإذا الدم يفورُ ، وشيءٌ مني يــُنتزع ويـُلقى بعيداً . والرجلُ الختان يضحك ويضعُ دواءً وقطناً .

قال أبي كلاماً غريباً ، لكنني لم أفهم . تعكزت على كتفِ أختي ومشيتُ في الحارة . فتح أولادٌ كثيرون ثوبي ، وأدرات أختي وجهها بعيداً ، وهم يكشفون ثيابهم ويتباهون ويضحكون .

لم أعد أحتاج إلى الثوب الأبيض ، رحتُ أركضُ مع أختي على الشاطئ الرملي الطويل . تقفز فوق قوارب ، نعبثُ بالشباك ونتقاذف القواقعَ والأسماك الميتة ، ونتحدى الموجات المشاكسات للرملِ ولأقدامنا .

ذات يومٍ لم تعد أختي من البيت ، نما جسدها ، وانتفخت رمانتان في صدرها ، وعلقت ملابسَ داخلية دامية فوق حبل الغسيل . ارتعبتُ . هل فعلت الفاحشة ؟ ونامت مع أحدهم ! سوف أذبحها !

كانت متكورة داخل ملابس سوداء ، وتتكلم من وراء قضبان النافذة وتضحك «سأتزوج!».

أركض وحيداً في البرية ، أصطاد غيوماً ، وأطير فوق بالونات تأخذني إلى الشمس . أحمل كلبـاً إلى البيت ، يصرخُ أبي «لا تدخله !». وينبح الكلب ويهرب .

تنتابني حمى وأرى غيلاناً ، ويدخلُ رجلٌ ذو قرون صدري ، وتنغرز لحيته الإبرية في جلدي . وكان هناك صوتٌ مخيفٌ يأتي من وراء الجبل ؟ لا تتعرى في الحمام ! أبعد نظرك عن لحمك !

وأسمعُ همسَ المدرس « ناكح يديه في النار !»، وأغفو في غرفة الفصل ، تحملني دراجة إلى برتقالة الشمس ، وأيقن إن الحمى والصداع أثم لأنني سرقتُ الكرة الصغيرة الملقاة في الشارع فأعيدها ، لكن المسام تنضحُ رماداً مشتعلاً ، ويصرخُ المدرسُ: ناكح يديه في النار! ويربتُ سلامة موسى على رأسي ، ويمشي معي في الأفق .

كلما هربتُ إلى الأرض المهجورة والدغل الوحشي ، شممتُ رائحة غريبة ، فأدخلُ يدي تحت ثوبي . كلما دخلتُ الحمام اغتسلتُ وعيني في السقف ، أحسه مرتعشاً ، الماءُ ، يتدفق نظيفاً ، طاهراً ، قادماً من الجبال والله والغيوم . والحسرةُ التي تأكلني ، والخوفُ من العيون الشامتة ، والشياطين المحدقة إلى يدي وظهري ، تلقي بي في دهاليز معتمة أكلمُ قطة مخنوقة الصوت .

ظلمة ، ظلمة واسعة ، غبة بحر مشتعل بالدبابيس والأباليس ، وأنا أمشي فوق حبل دقيق ، مهتز ، أمسكُ هواءاً وفراغاً ، أصابعي وعيني تلتصقُ بالحبل المرتعش ، أهتزُ، لا تمسكُ قدمي الثعبان الهارب ، وأهوي ، طائرة ورقية مشتعلة ، وطواطاً بلا حساسية ، تلتصقُ بي النارُ!

جلدي ينتفخُ بالبالونات الحمراء ، وفقاقيعها تنفجرُ ، عاراً وقاراً ، وعظامي تصكُ متشققة ، يتفتتُ لحمي ، لكنهم يعيدونه ثانية ، ويضعون جلداً جديداً ، لينتفخَ بالحمرة ويصرخَ منتفضاً بالدم . .

كان عرسُ أختي بهيجاً ، تلألأت السقوفُ بالمصابيح ، وامتدت القدورُ في الحوش ، مبقبقة بالأرز الزعفراني النهكة ، واللحم المقطع الملتهب المفتت ، وأحسهم يمضغونني في أفواههم ، وهذا الأرز الطيب أظافري وأصابعي ، ويهزني أبي: 

ــــ لم لا تفرح ؟

جاثمٌ وراء كيس أرز ضخم ، ورائحة الليمون الأسود اليابس تهيجني ، وليس ثمة سوى النساء يغنين ويهزن الدفوف ، والرجال وراء الحائط ، وثمة رجال غريبون يرقصون بين الجمع ، أجسادهم لينة ، وحركاتهم أنثوية فاقعة .

أخذني أحدهم إلى الظلام ، حاذاني بجسده . كانت رائحته منعشة . تحسستُ أصابعه فخذي . تنملتُ . اشتعلتُ . كانت رائحة الأرض الوحشية تتفاغم إلى دهالزي ، ترعشني ، وكأن اليد القاسية التي أطبقت على فمي تلاشت ، وتصاعدت اهتزازات راقصة في خلاياي .

ما هذا المطر الناعم المتغلغل في أعضائي ؟ ما هذا الدبيب الأنيس المشتعل المرتعش ، على نغمات الطبول ، على صياح أختي المكتوم ، وبكارتها تفتضُ راية دامية وزغاريد منتفضة ، على رائحة الشواء اللذيذ ؟

ثم لماذا انطفأ  كلُ شيءٍ ، وأحسستُ بالخجل والعار ؟ كانت الوجوهُ ترمقني ، كانت ملابسي مرفوعة ، وجلدي  مضاء بالآف المصابيح ، ما هذا الدمع الذي يتصاعد شلالاً ولا يغسلني ، أهربْ ! أهربْ بعيداً !  كل العيون تتطلعُ إلى عارك ، والجميعُ كله يتهامسُ حولك ! أركضْ إلى الأرض الوحشية ، ثلة النخيل العجفاء الميتة تحرسني ، وأفواه الحفر تبتلعني ، تغطيني بالرمل والسعف والألم ، وأنا شتاءٌ افترسه صيفٌ ، وعواءٌ مخيف . .

البيوتُ الصغيرة الساكنة ، والنساء المتغطيات بالأسود ، والطرق الضيقة الشاحبة ، والسماء المحترقة ، والجنون الممطر ، والدكاكين الصغيرة الفارغة إلا من الشيوخ وقناصي الأولاد ، وغابة الأكواخ السعفية القريبة النائحة بالمزامير ، والأرض السبخة الملتهبة بالأسربة ، والعصافير التي تأكلُ يديك و لا تخاف .

تحولني إلى قطرة ماء متبخرة ، مستفزة ، أعضائي تموتُ في السأم ، والكراساتُ لا تدفئني ، وثوبي يكادُ يطيرُ من فوقي ، وأنا أمشي مع هذه الثلة من الرجال الأوفياء ، المتفجرين ضحكاً وغضباً ، والمتعطشين للزجاجات الفائضة بالسائل المخدر المشعل، وعيونهم تسحقُ الورقَ ، أو تهزُ الأوتارَ وتطلقُ الحمامات الأسيرة من الروح ، والثياب . . .

وهذا الوجه القوي ، الساخنُ ، يحدقُ فيّ ، أنا هنا الصبي العطشان للكلأ ، والناقة البدوية تذبحني ولا أدفأ ، وذراتي ماء غوري متأجج ، هذا الليل سيعطيني نجوماً لم أحلم بها ، وأنا وحدي معه . .

من يحدق بي في هذا الليل ، العسس أم الضمير أم الملل ؟ خذني جمرة ، لا شيء يبللني . سأخترقُ هذا الزقاقَ الكئيب ، والعششَ المضجرة بالكلاب والمستنقعات والبعوض ، وأقفز إلى العسل المشتعل.

لكن لماذا أسقط من علٍ ، كجلمود ليلٍ مهشم ؟ الأرض لا تحمل قدمي ولا ألمي ، من رآني هل سيفضحني ؟ سينسى الدفء والغلام الحنون المجنون ؟

في النهار الفاضح ، وفي الشمس المليئة بالإشاعات ، علقني أبي من قدمي ، وانهالت لسعات المسامير . أكلت العصافير نثارَ الخبز من عيني . صاحت أختي من وراء جدارها البعيد . لكن الدم النازف والشمس والأبالسة لم يجعلونني أفهم كلمات أبي . ها أنذا أعطي يدي لليل ، والهمس ، والحب ، وأجري بعيداً عن مملكة الضجر، والعباءات الكثبان .

لم يفتح أبي لي البابَ مرة أخرى . احتضنني الهجيرُ ورأيتُ لعاب الكلاب يتبخر في الظلال المشتعلة .

انضممتُ إلى ثلةٍ تسكنُ خرابة . تسكعنا ، سكرنا ، حششنا ، سرقنا ، نمنا ، سجنا .

عندما قادتنا عربةُ السجنِ فوق الهضبة ، رأينا مجموعةً من الرجال الغلاظ  يحدقون فينا بنهم . اندفعَ إليّ أحدهم وقادني بصرامةٍ إلى زنزانته . جسدٌ نحيفٌ ، عظمي ، ذو وجه مليء بالأخاديد والثنيات الصلبة المتهدلة كجلد الزواحف . شرسٌ في صراخهِ ، وهياجهِ ، وزحفه الليلي المفعم بالشهوةِ ، يدبُ في الأرض السوداء المليئة بالروث ، والبذور لا يهدأ طوال النهار ، يفحُ الماءَ بين القنوات ، جسدهُ العاري الأسمر ، مخططُ بالشمس والسياط والرصاص . يفترسني في الظلمة ، ويقودني في الضوء إلى بستانه لأجمعَ الثمار ، وأهرسُ العصافير ، وأصرخَ بالضوء والمدار ، وأنهش الجذوع ..

أضرب ضلوعه الصلدة ، أبكي ، يسحقني بشراسة . سلحفاة ضخمة ثقيلة تجثمُ فوقي. أبر حادة تدخلُ جلدي . أعضه ، لكن أياديه تعلقني على الجدار ، وتخنقني في الفراش . أين النار والطبول والزمهرير اللذيذ ؟

أغوصُ في التربة المنتعشة بالماء . أغرسُ البذورَ عميقاً . أحسُ بأيدي الأوراق والطين والسماد كأن الأشياء تتوحدُ في خميرة ، كأن الأرضَ تنفرجُ ،  وها هو جسدي يكبرُ ويتألق ، تعطرهُ الشمسُ بفضتها ، وشعري يزهو بغزل الريح .

سأسجدُ للطمي ، للورق ينفجرُ بالزهرِ ، والزهرةُ تكبرُ في القدوم المسائي حاملةً كل روائح الليل والشهوات ، وسأحنوا على هذه العضلات المجروحة المتوترة ، وأختبئ وحيداً ، منتعشاً ، معداً للرجل السلحفاة سكيناً حادة تكفي لغيابه .

أي توتر مخيف ، يحصدني وأنا أرقبُ وجوهَ النساءِ الورقية ، والرجلُ يفتحُ الأستارَ ويجيءُ منتشياً بخمرتهِ الثقيلة ، ويبحثُ عني ، قمامة تقتحمُ وجهي ، والسكين انغرزت في فخذه وأخطأت قلبه . .

في زنزانة رجلٍ ذي لحيةٍ كثة ، سمعتُ تراتيل سماوية عذبة ، وفتحَ لي الرجلُ الهادئ، الهامس ُ ، نافذةً كبيرة في قلبهِ ، وهبتْ فراشاتٌ ، وأحتسيتُ شراباً تغلغلَ في الروح ، فصعدتُ إلى نجيمات ذهبية ومراعٍ وأغنامٍ وتربةٍ محروثة تنفثُ شعراً ، وكلمتُ آباراً وعذارى .

سأذهبُ إلى أبي ، سأنحني تحت قدميه وأقبل دعواته ، وأضم أختي إلى روحي ، سأسجدُ لإلهه ، سأحيلُ جسدي صخرةً صلدة ، تعضُ الأفاعي ، وتغسلُ خرقَ الدراويش .

لماذا لم استكن في المدارس ، لأمشي خفيفاً على الخيطِ الرفيعِ ، بين تصفيق الملائكة المشجعين ، لأسقطَ في البستان ذي الكروم والحور والغلمان ؟

الرجلُ ذو اللحية الكثة ، يدفقُ الكأس في فمي عيناه تنضحان ببريقٍ غريبٍ ، والنجومُ تنطفئُ من شاشةِ المساء ، تتكاثرُ وجوههُ وأقنعته ، يمتزجُ بي ، ولا أراه ، وأتحسسُ شعيراته السكاكين ، كأنه يسافر بي إلى حصن مليءٍ بالفئران والسحالي ، نمشي تحت الأرض في ممراتٍ مليئةِ بمياه المجاري ، وهو يتأوه ويعضُ جلدي ، ولا أشعر إلا بموجٍ كثيفٍ كنملٍ ، ودغدغة تهرشُ أمعائي .

وأصحو في النهار على ضجةِ النواطير ، وألم البطن ، وأسمعُ الرجلَ يتهجد ، والحراس البدويون يأخذون تمائمهم منه ، واللصوص والقتلة يتبركون بثيابهِ .

أغرسُ معولي في الصخر ، أصرخُ بوجهِ الشمس والبحر ، أحيلُ عرقي انتفضات وحكايات وأسفاراً ، أقرأ الوجوه ، وأفتش في لحية الرجل عن روائح الدغل الوحشي ، وأعود إلى الليل والهيمنة المبهمة وأجراس اللغة ودهاليز العواء القادم من الأرض السفلى ، وأصابعه الغريبة تستحيلُ إبلاً تتحسس صوتي وموتي .

تمتد يده بالكأس ، أضحك ، أدغدغ وجهه ، يشرب ، لا أشرب ، نقهقه ، يحطيني بذراعيه الضخمتين ، وغابة سكاكينه الهامسة ، فاجعله يتعرى ويمشي في الهواء أمام عيون الحراس والسجناء المذهولة !

يستدعيني الضابط الأبيض الجميل إلى منزله المرتفع المنتشي بالنخيل والظلال والمياه ، يمدُ ساقيه الناعمتين المبللتين ، داعياً إياي إلى تنشيفهما .

آخذ الفوطة المعطرة ، وأجمع لآلئ الماء الزاهية من بين شعيراته الرقيقة الخافتة . أصابعي ترتعشُ وعيناه تتسمران على أنفي . يضع يده تحت ذقني . أنهض بتصدعٍ مريعٍ .

يذهبُ إلى غرفة النوم ويدعوني . أظلُ متشبثاً بالباب ، يأتي حانقاً ، يصرخ:

«أنقل كل ذلك التل من السماد إلى الحديقة !».

العربةُ عتيقةٌ ، ذات عجلةٍ واحدة مهترئة ، أسنان الأحجار نهشتها ، والممرات الحجرية المناوئة المفاجئة تصطكُ بها بعنفٍ ، وتنتزعُ السمادَ ، ذا الرائحة المخدرة المهيجة ، أسقطُ فوقها ، نترنحُ نحو السفح . أصعدُ مرةً أخرى ، كتفاي ليستا لي ، والصقر ذو الشعر الذهبي يحدقُ فيّ منتشياً ، والكومة الكبيرة من بقايا الثيران ، تقل وتنتقلُ إلى أرض عطشى للحب ، وأيدي العاملين تسرعُ في حمل العربة ، ورأسي ترتعشُ في مياه البركة . أرى جسدي مختلفاً . رجلٌ آخر ينتزعُ الصبي من غفوته ، ويرفعهُ فوق الأغصان والأشواك والجمر ، يداه الناعستان ضاريتان ، ويرفعه فوق الأغصان والأشواك والجمر ، يداه الناعستان ضاريتان ، وصدرهُ المفتوح المتوردُ يملأهُ فحمُ الشمس المشتعل .

لا يجثم عند السفح ، يصعدُ الذروة الصخرية ، يطعنُ السمادَ المهشم ، ويحصر الصقر في قفصه البعيد ، ويندفع إلى الأرض السمراء المورقة ، قدماه تفجران الينابيع بين العبيد ، وتوحدُ أغنياتهُ الأجسادَ الأصفاد .

قادني الشرطي إلى المستشفى . عبر بي الردهات حتى حذفني عند سريرها ، رأيتُ أطفالاً ، لا أعرفهم ، يبكون . أبي كان هناك لا يراني . رفعتُ القماشَ الأبيض ، ورأيتُ جثتها . صارت أختي عوداً يابساً مشققاً . «كانت رغبتها أن تراك قبل أن تموت !».

في يدي جلود ضفادع وأحزان من الطين اليابس .

أقتحمُ زنزانة رفيق جديد . هو الآن رسام رقيق ، يعلق لوحاته على الجدران ويصفق من البرد . يجلسُ على سريري محدقاً فيّ ، يقول: «جسدك جميل ، أريدُ أن أرسمه». يتحسسُ يدي ، فأدفعه بعيداً . وأنام على صوت شجرة تموت .

في السماء المفتوحة على الأخضر اشتريت تذكرة وذاكرة وسافرت . شويتُ سمكة على الشاطئ ودفنتُ نفسي في الرمل . 

تأملتُ الأجسادَ البضة الحرة ونهضتُ مفزوعاً !

صحوتُ . كان الرسام يتحدثُ مع نفسه ويده تحت اللحاف مهتاجة ، كان موظفاً مختلساً يسرقُ الأغنياء والآن جلدٌ نازف يمدُ قنواته لجدار والقطط . مسحتُ على رأسه.

كان الضابطُ في البركة يسبحُ ، فوق رؤوس الأشجار المرتعشة والشمس الوديعة . يخرجُ وجسده متألق بالهواء والضوء . 

أنشفهُ وألبسه ثيابه .

يقول:

« وهل تريد حفر الأرض الآن ؟».

اندفعُ لحمل الحطب ، وتجفيف المستنقع ومطاردة البعوض المنغرز في الدم . لم أعد سوى هيكلٍ عظمي كبير ، رجلٌ ذو لحية كثة ، وأسمال من بقايا الرجال المغادرين . أتحسسُ جلدي المضيء فأجدُ يراقات تطيرُ وبنفسجاً مشتعلاً . . أمشي على حفوف التلال وأرفعُ المعول ، والبشر تحتي كالنمل ، ولا أسقط ، جلدي حصى وصمت ، وذئبٌ يعوي كل ليلة ، وروحي شبح مشرف على الهلاك .

الآن تفتح البوابة ، تعطيني الدروبُ نهودَها . أصرخُ ، أصرخ ، وأنا ألتفُ حول جسدي ، حرٌ ، حرٌ !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  4 – سهرة «قصص»، 1994.

«القصص: السفر – سهرة – قبضة تراب – الطوفان – الأضواء – ليلة رأس السنة – خميس – هذا الجسد لك – هذا الجسد لي – أنا وأمي – الرمل والحجر».















المقالات العامة

العناوين المميّزة

الدرب ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

إلى أين يسيرُ هذا الطابورُ الدامي الأقدام ؟  لا أثر للقرية أو القصر أو البحر أو الحدائق أو النسمات الشمالية ، تلالٌ من الرملِ وحقلٌ من النخي...