الخميس، 28 أغسطس 2025

نجمة الخليج ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ : عبـــــــدالله خلــــــــيفة

  1

 العمال يتجمعون في الساحة. تأكد من وجود شيء جديد في العمل. حركة غريبة. يجب أن تحسم بسرعة. من هم المحرضون يا ترى؟

    قرع الجرس. حضر رئيس العمال. سحنته تدل على الخوف. سأله:

    - ماذا يحدث؟

    أجاب الرجل الضخم:

    - يبدو يا سيدي.. أنه.. أنه.. إضراب!

    - إضراب في مصنعنا؟ هذا شيء غير معقول!

    - ولكنه يحدث..

    تناول سيجارة. قام من خلف مكتبه. تطلع إلى الساحة من جديد، لم يحدث ذلك من قبل، خمس سنوات والمصنع يعمل بكل هدوء. ما الذي غيرهم؟ العمال الشباب الجدد؟ إبراهيم المشاغب؟ إدخال الآلات الجديدة؟ يجب أن تضرب بشدة وقسوة. يجب أن لا تهتم بمطالبهم مطلقاً. هذه المعركة السخيفة لا بد أن تنتهي بأسرع ما يمكن.

    سأل:

    - من المحرض؟

    - لا أعرف. فوجئت بهم هكذا، يرفضون العمل.

    عندما أسأل أي واحد منهم يقول "نحن مضربون ونريد أدوات سلامة للآلات الجديدة، ونريد زيادة عشرة في المائة، وحساب فترتي الغداء والنقل من ضمن ساعات العمل". إنها معزوفة يرددها كل عامل. حاولت تهديدهم وكدت أتعارك مع أحدهم لولا أنك استدعيتني.

    - اسأل من المحرض؟ هل هو إبراهيم؟

    - من؟ إبراهيم؟ إنه شخص أبله لا يفهم هذه الأشياء.

    - إذن تشك في من؟

    - أحدهم ويدعى سالم صالح.

    - ماذا يفعل؟

    - يهمس في آذان العمال دائماً.

    هتف مدير المصنع حانقاً:

    - ماذا يقول؟ هل سمعته يقول شيئاً؟

    - لم أتمكن يا سيدي. إنه بارع.

    - أوه... هذا يجنن فعلاً!

    - .. ولكن أحد أصدقائي بين العمال نقل لي ما قال.

    هنا ابتسم الرجل. وأردف قائلاً:

    - لقد قال لهم: كيف تتحملون هذه المصائب، يجب أن تضربوا ضد هذا الطاغية الذي يمص دمكم وهو الذي يكتب قصاصات من الورق عن الظلم، ويوقع دائماً باسم أصبح شهيراً بين العمال..

    صاح مدير المصنع:

    - هو إذن صاحب الاسم الشهير "نجمة الخليج"! وقع في أيدينا هذا المخرب!

    - نعم هو يا سيدي، استطعت أن أكشف ذلك مؤخراً.

    - هل تعلم أن هذا الاسم يتردد في مصانع كثيرة!

    - إذن هي مؤامرة واسعة النطاق؟!

    - نعم، مؤامرة كبيرة لتخريب اقتصادنا..

    وقف لحظة صامتاً. ثم قال بقوة وحسم:

    - أذهب وحاول إقناعهم بالعمل. هددهم. أنشر الشائعات المخيفة بينهم. راقب سالماً جيداً.

    - حاضر. حاضر.

    إنطلق رئيس العمال خارجاً. يجب أن تصفي المحرضين الكلاب. لن يهدأ لك بال إلا بعد أن تراهم في السجن. وإذا لم تفعل ذلك فإن قريبك لن يدعك تدير هذا المصنع، سيطردك منهن وعندئذ لن تستطيع الزواج من ابنته. هيا امض إلى الهاتف وألق هؤلاء الشباب في السجن.

 2 

    رفع الرجل سماعة التليفون ورد قائلاً:

    - نعم؟

    - الوكالة المركزية؟

    - نعم. من المتحدث؟

    - أحمد غانم، مدير مصنع الأسلاك الكهربائية.

    - أهلاً وسهلاً. نعم؟

    - يوجد شغب في المصنع. كل العمال مضربون عن العمل. أرجو مساعدتنا.

    - هل هناك معلومات أخرى؟

    - مدبر الإضراب عامل يدعى سالم صالح.

     أية معلومات عنه؟

    - إنه عامل مشاغب منذ بداية انضمامه إلى شركتنا.

    - هل يقرأ شيئاً؟

    - لا أعرف.

    - يجب أن تعرف. هذه قضية هامة.

    - حسناً، سوف أتحرى.

    - أين يسكن هذا الشخص؟

    - يسكن في حارة الحدادين.

    - هل هناك معلومات أخرى تحب أن تضيفها؟

    - كلاً. فقط أرجوكم مساعدتي.

    - اطمئن، هذه مهمتنا.

    - آه... نعم.. قبل أن أنسى. إنه يوقع باسم "نجمة الخليج".

    - رائع. هذا شيء في غاية الأهمية. كان ينبغي أن تقول هذا منذ بداية الحديث. اطمئن، اعتبر القضية منتهية الآن. قبل أن أنسى أنا الآخر يحتاج البيت رقم 95 في حارة القصر إلى بعض الأسلاك هل أستطيع الحصول على مساعدتكم؟

    - بعد أن ينتهي الإضراب يا سيدي سننجز لك ذلك بكل سرور، حيث أن العمال...

    - حسناً، اطمئن سينتهي الإضراب قريباً.

   

    فتح الباب ودلف داخلاً. وجد أمه تبحث عن سجادتها دون جدوى. سلم عليها. أعطاها السجادة..

    - دائماً تضيعينها!

    - هل تناولت عشاءك؟

    - نعم، تناولته في العمل.

    بعد لحظة سأل:

    - أين فاطمة؟

    - ذهبت لتشتري خبزاً.

    - ألهذا الوقت لم تأت؟

    سألت بدلاً من أن تجيب:

    - هذه ثلاثة أيام تتأخر في العمل؟!

    أجاب وهو يدخل الحمام:

    - يوجد إضراب في المصنع يا أمي. إننا نتصارع من أجل لقمتنا.

    - الله يحفظكم وينصركم على أعدائكم يا ولدي.

    - آمين.

    اغتسل. لبس ملابسه.. سمع طرقاً على الباب. أخته تذهب لتفتح. صرخت:

    - شرطة!!

 4  

     توجه رئيس العمال إلى مقهاه المعتاد. وجد جماعة غريبة تحدق بالداخل والخارج. سلم عليهم فردوا السلام بجفاء. عندما اتخذ مجلسه رحب به صاحب المقهى، وركض إليه الصبي. قال:

    - أريد شاياً من النوع الثقيل.

    سأله صاحب المقهى:

    - من النوع الثقيل؟ ألم ينته الإضراب بعد؟

    صاح غاضباً:

    - كلا، لم ينته حتى الآن.

    أدرك أن غضبه غر مجد. ألقى السيجارة بحنق. لو كان الإضراب يتم إلى ما شاء الله لما اهتم، ولكن رئاسته في مهب الريح. لكن لا ذنب لي. أعطوهم ما يريدون وتنتهي المشاكل.

    سأل أحد الرجال:

    - اليوم الخامس ولم ينته الإضراب؟

    لم يجب بشيء. لعنهم الله أنهم يستدرجونك للإيقاع بك. حتى أنت لا يثقون في نواياك.

    سأل آخر:

    - هل سمعتم بنجمة الخليج؟

    أجاب رجل أعور بسرعة:

    - إنه مطعم في شارع أبي ذر.

    وواصل الرجل أسئلته:

    - لم قبض على سالم؟

    صمت الجميع. لاحظ رئيس العمال إبراهيم قادماً. إنه يضحك القذر في سره. ولكن قبل أن يصل إلى المقهى تجمع الرجال الواقفون عند الباب حوله واقتادوه أمامهم. هتف باستغراب:

    - لماذا؟ لماذا؟

 5    

    كانت أخته أمامه ورجل منهم يقبلها بشراهة. أخذت تصرخ. بينما هتف الرجل ذو النظارة السوداء:

    - لا فائدة. أخبرنا يا سالم..

    راح يبكي بشدة:

    - آه، ما هذه القسوة؟! ماذا فعلت لكم؟!

    - لا فائدة، اخبرنا، سترى العجب!!

  

    كانت الأم تسير في الشارع. بلا عباءة. تبكي. تهمهم. رآها وهو  يريد الذهاب إلى مقهاه. سرت في قلبه رعشة. تذكر وجه سالم الضاحك دائماً. القى السيجارة بحنق وغضب. أمسك المرأة. حاولت أن تقول شيئاً، لكنه قادها إلى البيت بعناد. عندما أدخلها تجول في حجرة سالم. وجد كتاباً بعنوان «الزواج السعيد». ألقاه غاضباً. جلس مع المرأة وراح في حديث طويل معها.

 7

     قال له رئيس المصنع:

    - منذ اليوم أنت عامل عادي.

    فوجئ. صدم. أراد أن يعترض. أن يحتج. لكن شيئاً ما في قلبه أسكته.

    واصل رئيس المصنع القول:

    - أنت لم تستطع القضاء على إضراب صغير.

    قبل أن يخرج وقف قليلاً عند الباب. أراد أن يقول شيئاً. اندفعت من فمه الكلمات بسرعة مدهشة:

    - سالم لم يفعل شيئاً، لم يكتب شيئاً. ولم يقل للعمال شيئاً. كان ذلك كله من راسي. قلت ذلك للحفاظ على مركزي... الآن العمال سيشكُّون فيّ.

    - أذهب يا أحمق.

    عندما خرج أراد أن يرفع السماعة لكنه أحجم.

  

    عندما خرج سالم أحس بالهواء المنعش. أراد أن يعلن احتجاجه أمام الناس لكنه أدرك تفاهة عمله. صاح في أعماقه:

    - عرفت الحرية الحقيقية في أسبوع.

   9   

    قال صاحب المصنع لقريبه:

    - لم تعرف كيف توجه العمل، سأريك كيف أؤدبهم. احتج القريب صامتا، وواصل الآخر:

    - انتهت مهمتك. سأرِي هؤلاء الكلاب... من الذين تشك فيهم؟

    وقف صامتاً. لاحت له فكرة مدهشة قال. فورا:

    - رئيس العمال السابق.

    - أفصله حالاً.

 10     

    وجد نفسه في الشارع. سار إلى مقهاه. لكن قبل أن يدخل فوجئ بجماعة تحيط به. عرف مقصدهم. راح يصرخ. لكن صراخه مع مجيء فرقة موسيقية شعبية كانت متجهة إلى بيت سالم صالح.

ــــــــــــــــــــــــــــ لحن الشتاء (قصص) 1975 .


(القصص: الغرباء  ـــ الملك ـــ هكذا تكلم عبدالمولى ـــ الكلاب ـــ اغتيال ـــ حامل البرق ـــ الملاذ ـــ السندباد ـــ لحن الشتاء ـــ الوحل ـــ نجمة الخليج ـــ الطائر ـــ القبر الكبير ـــ الصدى ـــ العين)     












المقالات العامة

العناوين المميّزة

الدرب ـ قصةٌ قصـــــــيرةٌ: لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة

إلى أين يسيرُ هذا الطابورُ الدامي الأقدام ؟  لا أثر للقرية أو القصر أو البحر أو الحدائق أو النسمات الشمالية ، تلالٌ من الرملِ وحقلٌ من النخي...